نظرية التعلق

clinical-psychology.

نظرية التعلق

ظهرت نظرية التعلق في الخمسينيات من القرن العشرين على يد العالم البريطاني جون بولبي, حيث وضح أهمية العلاقة بين الطفل ومقدم الرعاية من حيث انعكاسها على التطور النفسي والاجتماعي, مما يجعل العلاقات في مختلف المراحل مؤثرة. يرى بولبي ان بناء العلاقة هي نتاج الفطرة, أي أن الأشخاص يسعون لتكوين العلاقات بسبب عوامل بيولوجية لا عاطفية من شأنها أن تحافظ على بقاء الفرد وتساعده على النمو بشكل سليم.

 

 يعد التعلق ارتباط عاطفي متصل ووثيق بين مقدم الرعاية والطفل والذي من خلاله يتمكن الطفل من البقاء.

 

 يرى بولبي أن هذا التعلق ليس بظاهرة عاطفية, وإنما هو أداة فطرية لدى الطفل تمكنه من البقاء على قيد الحياة من خلال جلب الرعاية والحماية عن طريق العلاقة مما يشعره بالأمان ويحثه على الاستكشاف وتطوير قدراته.

 

المبادئ الأساسية

  1. الاحتياجات البيولوجية:

 

كما هو الحال لدى الحيوانات, يمتلك البشر غريزة للبقاء, فهي تعد احتياجات بيولوجية تتجه لتكون عنها إبقاء هذا النوع, من خلال استجلاب الرعاية والاهتمام من شخص آخر, مما يساهم في بقائه على قيد الحياة, وكذلك يعزز من نموه السليم. في الأشهر الأولى من حياة الطفل, لا يملك القدرة على تلبية احتياجه بنفسه وإنما يلبيها من خلال والديه, باستخدام أساليب متعددة من ضمنها البكاء, والاتصال الجسدي, ويؤمن هذا الاحتياج من خلال البقاء قريبا من مقدم الرعاية, فنجده يبكي كلما ابتعد مقدم الرعاية.

 

  1. الاستجابة لمقدم الرعاية:

 

يولد الأطفال بمجموعة من السلوكيات التي تهدف الى لفت انتباه مقدم الرعاية, مثل البكاء, الابتسام, المناغاة وغيرها من السلوكيات الطبيعية. تعد هذه السلوكيات وسيلة للطلب والتواصل, وتساهم في بناء علاقة عاطفية قوية, وما يحدد في هذه الحالة نمط التعلق ما إن كان آمن أو غير آمن, هو سرعة استجابة مقدم الرعاية واتساقها مع احتياج الطفل. وبهذا يحدث التكيف بين احتياجات الطفل واحتياجات مقدم الرعاية بطريقة تساهم من نمو الطفل النفسي والاجتماعي. تنعكس هذه الأنماط على رؤية الطفل في المستقبل وتصوره للعلاقات في حياته, مما يؤثر بالإيجاب او السلب على أنماط التعلق المستقبلية بالآخرين.

 

  1. نظام التعلق:

 

يعد نظام التعلق من الأنظمة المستمرة التي تمتد لآخر مرحلة من مراحل الحياة, والتي تبدأ من الطفولة من خلال جذب انتباه مقدم الرعاية لتوفير الحماية والأمان مما يساعده على استكشاف البيئة والمحيط, وتنظيم المشاعر وبناء العلاقات المستقبلية. وتعد هذه المرحلة أساسية حيث أنه مع مرور الوقت يشكل الطفل تصورا عن علاقته مع مقدم الرعاية, والذي ينتج عنه نموذج عمل داخلي يؤثر على فهمه لعلاقاته في المستقبل, مما يجعله في المستقبل يثق في العلاقات أو يواجه صعوبات في تكوين العلاقات أو الثقة بها.

 

أنماط التعلق:

تظهر أنماط التعلق نتيجة للتفاعل المستمر الذي يحدث مع مقدم الرعاية مما يشكل طريقة تكيف الطفل مع النظام الاجتماعي والعاطفي, من خلالها يتحدد ما إن كان نمطه آمن, قلق, متجنب, مرتبك.

 

نوع النمط سيكون مؤثر على العلاقات كما ذكرنا سابقا, ولكن من الممكن أن يتغير من خلال ظروف مستقبلية مثل, العوامل البيئة, والعوامل النفسية.

 

نمط التعلق الآمن:

يعتبر هذا النمط أكثر الأنماط صحة ومرونة في بناء العلاقات, ويعد هو الارتباط العاطفي المستقر المبني على الثقة بين الطفل ومقدم الرعاية, حيث يظهر على الطفل سلوكيات تدل على الشعور بالأمان في حضور مقدم الرعاية وثقة في قدرته على تلبية احتياجه.

 

 يستطيع الطفل ذو النمط الأمن الحصول على الأمان في لحظات الخوف والقلق, وبنفس الوقت لديه القدرة على استكشاف المحيط والبيئة بعيدا عن مقدم الرعاية, مع وجود استعداد للعودة في حال احتاج لذلك أو شعر بعدم الأمان.

 

الأنماط القلقة:

تنشأ الأنماط القلقة عندما تكون الاستجابات بطيئة أو غير متسقة أو غير كافية لاحتياجاته, حيث يظهر على الطفل مشاعر القلق بشكل مستمر, وذلك نتيجة عدم معرفة أو عدم قدرته على التنبؤ باستجابة مقدم الرعاية أو سلوكه, مما يشعر الطفل بعدم الارتياح والارتباك نتيجة للتناقضات التي يحدثها مقدم الرعاية, ما بين تلبية احتياجاته في لحظة طلبها, وإهمالها في أحيان أخرى, وكذلك التصرفات التي تنم عن برود عاطفي تجاه الطفل .

 

ب- النمط القلق:

يستمر الطفل ذو النمط القلق في الاقتراب من مقدم الرعاية دون وجود تهديد حقيقي, كذلك يظهر استجابة قوية عندما يغادر مقدم الرعاية نظرا لقلقه من عدم استجابته, كذلك قد يظهر سلوك متناقض كأن يدفع مقدم الرعاية أو يميل بوجهه بعيدا عنه بينما هو بحاجة لهذا القرب, أو تحدث سلوكيات سلبية كأن يرفض التفاعل مع الأشخاص الآخرين, وأيضا التشبث المفرط بمقدم الرعاية.

 

 ج- التعلق التجنبي في هذا النمط يبدو الطفل متجنبا لمقدم الرعاية, حيث أنه يظهر سلوكيات تدل على عدم اهتمامه بوجود مقدم الرعاية أو يقوم بتجاهله أو الابتعاد عنه, كذلك قد يظهر عدم الاهتمام أو لا تظهر عليه مشاعر قلق عالية عندما يغادر أو ينفصل عن مقدم الرعاية, وقد يبدو ذلك وكأنهم ليسوا بحاجة للاهتمام.

 

يظهر على الطفل ذو النمط التجنبي سلوكيات التجاهل أو التقليل من أهمية القرب العاطفي, كذلك يظهر عليهم الهدوء وسلوكيات انعزالية, وقد لا يعبرون عن مشاعر القلق أو الغضب ونحوها, كذلك يظهرون تفاعلات سطحية مع مقدمين الرعاية.

 

 د- التعلق المرتبك في هذا النمط يظهر على الطفل سلوكيات متناقضة أو مرتبكة تجاه مقدم الرعاية, فقد يبدى الطفل في محاولة التواصل مع مقدم الرعاية ثم يذهب الى النقيض بشكل مفاجئ, ويحدث عادة عندما يقوم مقدم الرعاية بالاستجابة بشكل متسق وسريع في حين, وفي حين آخر لا يقوم بالاستجابة أو يستجيب استجابة غير متسقة أو بطيئة, أو يتصرف بطريقة مربكة أو مخيفة للطفل.

 

يظهر على الطفل ذو النمط المرتبك سلوكيات متناقضة في نفس الوقت, كأن يطلب القرب والبعد في نفس الوقت, مما يدل على وجود صراع داخلي للرغبات بين طلب الأمن والخوف من الاستجابة. 

 

نماذج العمل الداخلية:

 يرى بولبي أن نماذج العمل الداخلية تتطور نتيجة لتجارب الطفل الأولى مع مقدم الرعاية.

حيث تمثل هذه النماذج رؤية الطفل عن نفسه وعلاقاته بالآخرين, مما يؤثر بشكل كبير في طريقة ادراكه للعلاقات مستقبلا. عندما يكون الطفل في بيئة أمن من المحتمل أن يثق بالآخرين ويشعر بالأمان معهم أو يرى بأن العالم مكان آمن.

وعلى العكس فإن الطفل الذي تعرض للإهمال أو العنف, أو لم تلبى احتياجاته بالشكل المطلوب, فإنه قد يكون نماذج عمل داخلية غير آمنه تؤثر على نظرته لنفسه وكذلك علاقاته مع الآخرين .

 

بذلك نستطيع القول أن تجارب التعلق المبكرة في حياة الطفل هي محور أساسي في تشكيل شخصيته وكذلك رسم رؤيته لعلاقاته المستقبلية.

whatsapp